سوترتما .. روايتي الثانية .. صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020

الحنين إلى ما كان...

شعور غريب ذاك الذي ينتابني عندما أطالع واحدة من الصور القديمة ذات اللونين الأبيض والأسود، تلك الصور التي تنقل لنا لمحة من من حياة كانت...
أنظر لتلك الصور متأملاً محاولاً أن أعيش داخلها...أشم ريحها...أسمع الأصوات التي سمعها يوماً من فيها من شخوص ربما أكون أعرفهم أو ربما لا، المهم أن ذلك الشعور يكون ممزوج ببعض الشجن الذي لا أفهم له سبباً أو مبرراً. ومتناقضاً مع هذا الشجن يكون شعور آخر وربما جميل بالمتعة! نعم متعة لا أدري مصدرها ولا أقدر على وصفها أو تحديد شكلها، فقط أشعر بها تسري داخلي...

لدى والدي الكثير من تلك الصور القديمة لجدي أو جدتي أو بعض أقاربي الذين لم أرهم يوماً لكنني كنت كثيراً ما أسمع قصصهم أو بعض من نوادرهم من أبي بينما نجلس نأكل البرتقال أبو صرة بعد العشاء في أحد ليالي الشتاء الباردة وقد انقطع التيار الكهربي. كنت أحب كثيراً تلك الحكاوي والحواديت رغم أنني غالباً ما أكون قد سمعتها مراراً من قبل، إلا أنني كنت أجلس كل مرة وحواسي كلها منتبهة وكأنني أسمعها لأول مرة!

وكبر هذا الشعور معي مع مرور الأعوام وذهاب مرحلة الطفولة ثم المراهقة والآن بعد أن صرت أباً زاد هذا الشعور بل والحنين لتلك الليالي التي كنا نجلس فيها أطفالاً لا نحمل للدنيا هماً نستمع وننفعل ونفرح بقصص زمان. ويا سلام لو كانت هذه القصص عن العفاريت أو الخرافات وأبو رجل مسلوخة، فننكمش في جلستنا ونحن ننتظر خروج واحد من هؤلاء العفاريت من ذلك الركن المظلم خارج الحجرة التي يضيئها نور الكلوب السبرتو...

نظرتي لهذه الصور لازالت كما هي وإن زاد عليها تساؤلات كثيرة عن كيف كانت الحياة فعلاً وقتها، حتى وأن أكتب هذه الكلمات لازلت أشعر بهذا الشعور ولا أعرف له وصفاً. قد أكون وحدي الذي يحمل هذه الصفة، صفة الحنين إلى الماضي، الحنين إلى أيام لم نعشها، إلى أيام من سبقونا، ولا حتى أدري سبب كتابة هذا الكلام هنا، ربما فقط رغبة في رسم مشاعر أو محاولة وصفها على الورق. ولكم كانت سعادتي عندما شاهدت ذلك الفيلم الوثائقي الرائع للدكتور مدكور ثابت بعنوان "سحر ما فات في كنوز المرئيات" حيث جلست مشدوهاً بما أرى غارقاً في تساؤلاتي ومشاعري المتناقضة.

وبانتهاء الفيلم وجدتني جالساً كما أنا على نفس الكرسي في غرفتي أمام التلفزيون...انتهي الفيلم وبقى فقط ذلك الشعور...الحنين إلى ما كان.

تعليقات