سوترتما .. روايتي الثانية .. صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020

أن تكون خائناً...

لاشك أن الخيانة من أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية وتشمئز منها النفوس السوية التي لازالت تحتفظ في عروقها بدم ينبض بالفطرة السليمة.
والخيانة على مر التاريخ تعددت أشكالها وأساليب أبنائها، وكانت البداية بخيانة الأخ لأخيه في أول جريمة عرفها التاريخ عندما قتل قابيل أخاه هابيل، ومن ثم انطلق موكب الخيانة والخونة ليسير بزينة وألوان براقة خادعة تجذب أصحاب النفوس الضعيفة القليلة الهمة. ويسطر التاريخ بصفحات قاتمة قصص ورويات عن جرائم كثيرة لا حصر لها لعبت الخيانة فيها دور البطولة.

كلنا نقرأ يومياً في الجرائد عن جرائم خيانة هنا وهناك، صديق لصديقه، زوج لزوجتة أو العكس، أخ ٌ لأخوته ... وبالطبع تأتي في صدارة الخسة خيانة الأرض والعرض والوطن وبيعه بأثمان زهيدة لمن يتربص له ويخطط للنيل منه.

لكن هل خيانة الوطن تكون فقط عبر بيعه للأعداء؟! أم أن هناك أنواع أخرى لخيانة الوطن تستتر عن العيون بينما ترتكب من الجرائم ما يشيب له الولدان؟
هل الخائن هو فقط من على شاكلة جاسوس الأمس أو اليوم أو غداً؟ أم أن هنا خونة آخرون يعيشون بين ظهورنا ويأكلون مما نأكل ويشروبن مما نشرب وهم يخفون خلف ابتساماتهم وملابسهم الأنيقة وجوه أكثرا سواداً من وجه أي جاسوس عرفناه؟!


والجواب على كل هذه الأسئلة هو نعم، نعم هناك خونة آخرون...خونة يبيعون ويشترون في أقوات البشر وأعراضهم...خونة يبيعون هذا الوطن كل يوم بدم بارد ولا يهتز لهم طرف أو رمش...خونة اعتادوا الخيانة وألفوها حتى صارت ديانتهم ومعتنقهم...
وربما يكون بعض هؤلاء ليسوا على علم أو دراية بما يفعلون، أو قد يرونه مجرد "بيزنس" يتكسبون من وراءه الملايين. لكن ما يخدم هؤلاء أنهم يعملون في الظلام مثل الخفافيش ليمتصوا دم هذا الشعب دون أن ينتبه إليهم أحد، بينما الأضواء مسلطة فقط على الجاسوس الأعظم والخائن الأكبر الذي يسرب معلومات عن الوطن لجهات معادية، وهو ولا شك يستحق الإعدام عن فعلته لكن لابد أن تكون هناك مشانق أخرى بجواره يُعلق عليها أمثال هؤلاء!

أن تكون خائناً أمور كثيرة يراها الناس صغيرة وهي عند الله كبيرة، كأن يخون الجار جاره ويهتك ستره ويتحين الفرصة للإطلاع على أسراره وأهل بيته، أو المدرس الذي لا يراعي الله في تلاميذه، والطبيب في مرضاه، والموظف في عمله، والمهندس والضابط والنجار والسباك وعامل النظافة وكل من لديه وظيفة ولا يؤديها على النحو المطوب منه هو خائن...

أن تكون خائناً... أن تكون سلبياً تجاه ما يحدث من حولك وتكتفي بالمشاهدة...فأنت هنا تخون أولادك ومستقبلهم الذي وضعوه بين يديك...

أن تكون خائناً...أن تتجاهل قضايا أمتك ولا تعطها بالاً وتصبح عالة على من حولك وتكون فقط كالبهيمة تأكل وتشرب وينتهي يومك ثم حياتك دون أن تضيف شيئاً ذو قيمة لهذه الحياة...

أن تكون خائناً لا يستدعي بالضرورة أن تكون خائناً بالمعنى السائد اليوم بين الناس...أن تكون خائناً أكبر بكثير من الحدود الضيقة لهذا المعنى...
والقول أن ينظر كل منا في مرآته وليحاكم نفسه ليرى أين هو من الخيانة...

تعليقات

‏قال سحابهـ
جميلة هذه التطورات و النقزات في مدونتك ..

المرء حين يخون ، يكون بالأولى قد "نفسهـ" !!

شكراً لإهتمامك بالجمتع من حولك .
‏قال شوارعي
الشكر لكي على التعليق والتواصل والتشجيع الدائم

جنبنا الله جميعاً أن نخون أو نُخان