سوترتما .. روايتي الثانية .. صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020

موسم حصاد الدم

قيل إن ملكاً استدعى ثلاثة من وزرائه وطلب منهم أمراً غريباً، فقد طلب من كل وزير أن يأخذ كيساً كبيراً وأن يذهب إلى بستان القصر وأن يبدأ بملء هذا الكيس للملك من مختلف طيبات الثمار، وقد كان البستان مليئا بها، ثم قال لهم بحزم شديد إياكم أن تستعينوا بأحد في هذه المهمة أو أن تسندوها إلى شخص آخر. استغرب الوزراء من طلب الملك إلا أنه ما كان عليهم إلا التنفيذ والانصياع لأمره، فأخذ كل واحد منهم كيسه وانطلق إلى البستان.

فأما الوزير الأول فقد حرص على أن يقوم بالمهمة على أكمل وجه وكذلك يرضي الملك، فجمع من كل الثمرات ومن أفضل وأجود المحصول وكان يتخير الطيب والجيد من الثمار حتى ملأ الكيس.

أما الوزير الثاني فقد كان مقتنعاً بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه وأنه لن يتفحص الثمار،  فقام بجمع الثمار بكسل وإهمال فلم يتحرَ الطيب من الفاسد حتى ملأ الكيس بالثمار كيفما اتفق.

أما الوزير الثالث فلم يعتقد أن الملك سوف يهتم بمحتوى الكيس أصلاً فملأ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار.



وفي اليوم التالي أمر الملك أن يؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي ملؤوها حسب طلبه، فلما اجتمع الوزراء بالملك نظر إلى رئيس الجند وقال له: خذوا الوزراء الثلاثة وضعوهم في السجن لمدة ثلاثة أشهر ولكن كل على حدة، وليأخذ كل واحد منهم كيسه معه إلى السجن، إياك ثم إياك أن يصل إليهم أحد مهما كان وامنع عنهم الأكل والشراب طيلة هذه المدة وتم تنفيذ أمر الملك بحذافيره، حبس انفرادي لكل منهم مع الكيس الذي ملأه من بستان القصر، لا طعام ولا شراب لمدة ثلاثة اشهر.

فأما الوزير الأول فقد ظل يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى انقضت الأشهر الثلاثة، وأما الوزير الثاني فقد عاش الشهور الثلاثة في ضيق وقلة حيلة وضنك ومعاناة شديدة، معتمداً على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها، أما الوزير الثالث فقد مات جوعاً قبل أن ينقضي الشهر الأول.

هي آية كونية إذن، لم ولن تخيب مرة واحدة.. الجزاء من جنس العمل، ومن زرع حصد، أيما يزرع يحصد، والحصاد بأمر رب العباد دائماً يفي بالوعد ويأتي من جنس البذرة، فإن كانت بذر خير ونماء وبركة، كان الحصاد أيضاً خير ونماء وبركة لزارعه وأهله ومن حوله، وإن كانت البذور بذور شر وخراب وظلم، كان الحصاد مثلما زرع.. شر وخراب وحسرة لزارعها ولأهله ومن حوله..

هكذا عرفنا.. وهكذا تعلمنا في المدارس، والنظريات العلمية ومن قبلها رب البرية قال ذلك..

والآن قد بدأ موسم الحصاد في مصر
ولكن وللأسف موسم حصاد الدم
حصاد بذور ظلم وقهر وفساد وهوان وافتراء وتضليل لشعب تحمل وصبر حتى انفجر.. انفجر شبابه غاضباً متمرداً بعنفوانه وطاقاته التي لا تجد مخرجاً يستثمرها ولا منفذا ينتفع بها.. بل على العكس قهر وبطش وطغيان وانسداد أفق.. حتى صرنا أسوأ مما كنا عليه أيام مبارك.. الذي أبداً لم يسقط نظامه.. بل ناور وحاور بدهاء ومكر وتلون كالحرباء وخدع السذج من أبناء هذا الوطن..

اليوم وأقولها بأسى وصلنا لحصاد أخطر وأمر على هذا الوطن، أن يستهدف المصري مصري، وأيا كانت الأسباب فأنها مرارة وأسى كبير أن يحدث ذلك، والأخطر أن الأمر هذه المرة ليس مقتصر على بلطجية أو سلطة متجبرة بل مواطنين عاديين حولهم الظلم والقهر وخسارة أحبة لنفوس ترنو الثأر والانتقام..

وأنتم يا من زرعتم بذور الدم من تحملون ذنب ما أوصلتمونا إليه
أنتم يا من زرعتم بذور الشوك والألم 
أنتم يا من هان عليكم أبناء وطنكم
فاستحللتم الأعراض
وأهزقتم الأرواح
وسعيتم في الأرض فساداً..
أنتم الزراع ..
ألا سحقاُ لها من بذور
وسحقاً له من حصاد..
وإنا لله وإنا إليه راجعون
 والله المستعان


اللهم مصر وشعبها
اللهم مصر وأمنها
اللهم مصر وشبابها
اللهم مصر وحرائرها
اللهم مصر وأطفالها
اللهم مصر .. اللهم مصر.. اللهم مصر..



تعليقات