سوترتما .. روايتي الثانية .. صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020

الوجه الآخر.. للوجه الآخر!

 
كلانا كان هناك..

أنا وأنت..

أمام مشهد واحد...

نفس المشهد..  بكل ما فيه من حركات وسكنات.. يقع أمامي وأمامك سوياً...

ثم ..

العجيب.. أن كل منا قد يصفه بشكل مختلف!

بل ويفسر مرئياته بصورة مغايرة..

وهذا الأمر يتكرر بشكل يومي وفي كل الأمور الحياتية تقريباَ.. كل يرى من زاويته.. والجميع له وجهة نظر فيما يجري.. وهذا ليس مشكلة على الإطلاق..

ولا يحتاج الأمر أي تدقيق أو جهد لرؤية ذلك والوقوف عليه ..

والحقيقة أن الاختلاف والتباين دون شطوط، رغم كونه مطلوب ويعتبر من نواميس الله في الكون، وهو في الأصل راجع لحكم كل منا على الأمور من منظور تجاربه الشخصية وخبراته السابقة والتي تقوم مقام النظارة التي يرتديها كل منا.. فتؤطر المواقف وتعطي ألواناً لكل من حولنا.. وبغض النظر عن كفاءة عمل هذه النظارة أو ما قد تحدثه من تحسين أحياناً أو تشويه أحياناً أخرى إلا أنها لم تزل تحتل مكانها على أنف كل واحد فينا..

 ونحن بالطبع نحتاج لاستثمار خبراتنا وتجاربنا في وزن الأفعال والأقوال والمواقف من حولنا، وإلا فإننا لن نتقدم خطوة أو نتعلم أي درس من عثرة أو زلة. لكننا نحتاج أن ندرك في ذات الوقت أن هذه الخبرات والتجارب هي أحد أسباب الاختلاف فيما بيننا وهي التي تعطي لكل قصة قسمات ومعالم مميزة..

وهذا الاختلاف محموداً في كثير من النواحي، بل ويعزز جمال الحياة ويعطيها التنوع والمعنى... وكما يقول أرباب النحو واللغة .. التضاد يزيد المعنى قوة ووضوحاً ..

إلا أن هناك أمور لا يصح فيها الاختلاف أبداً أو لا يكون له محل من الإعراب، أمور تعارفت عليها البشرية جميعاً منذ خلق الله الأرض ومن عليها، والبعض قد يسمي هذه الأمور المبادىء الأساسية للعيش والتعايش على الأرض، أو بقول أكثر دقة الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها... مثل الصدق، الأمانة، الإخلاص، الوفاء، العدل والمساواة، الحب والمودة وغيرها من القيم النبيلة.

وللأسف .. نحن الآن بعدنا عن هذه المبادىء والفضائل الأساسية، نحينها جانباً بل ولعلنا نسميها أسماء أخرى فالصدق والأمانة سذاجة، والإخلاص خيبة، الاحتشام والأدب تخلف ورجعية والوفاء والعدل والمساواة وإلى آخر هذه الفضائل صارت مثالية زائلة لا مكان لها في عصرنا ومن مخلفات المدينة الفاضلة. صرنا نحتكم فقط لخبراتنا وتجاربنا بغض النظر عن الأصول والثوابت والقيم الأساسية.. وأضحت المصلحة إلهاً عند الكثيرين يقدم له القرابين وتقام له الصلوات ودونه يسقط كل شيء!

وهذا التوجه المنحرف ليس وليد اليوم، بل على العكس موجود قدم وجود الفضائل والقيم ذاتها، لكنه اليوم أضحى أقوى وأكثر وضوحاً...

انظر حولك .. راقب كيف يتصرف الناس، كيف يختلفون دون ود، كيف يتفقون دون حقد .. بل وكيف ينظر كل منهم للآخر... الجميع صار منافس إن لم يكن عدو...

منطق الغابة صار أشرس وأعنف حتى أنه وصل إلى العامة من الناس، وجاء اليوم الذي نسمع فيه عن جرائم اعتداء وقتل وحرق وتمثيل بالجثث تحت مسمى تطبيق العدل! إلى هذا الحد وصل تشويه المبادئ والقيم... من وجهة نظر هؤلاء هذا هو العدل! لكن هل حقاً هذا هو العدل؟!

وكلما دققت النظر ستجد الكثير والكثير في زوايا المجتمع بل وفي داخلنا...

أقول علينا أن نعود إلى الأصل...

دعونا نتفق على هذه المبادىء الأساسية ونجعلها هي المرجع والمنهج

ولنعلم أنه طالما لم تنتظم سلوكياتنا وعلاقاتنا مع فطرتنا الأساسية والقيم والمبادئ التي خلقها الله لنا... زادت معاناتنا وأضحى الاختلاف خلاف.. وتبدل التنوع المحمود بكرهٍ مذموم وفرقة وعداوة!

وأخيراً.. لا عيب أبداً أن نُخطاً ونقع

لكن يبقى العيب كل العيب أن نستمر على الخطاُ ونسميه بغير اسمه...

فلنقم من عثرتنا ونكمل ما بقى لنا...


تعليقات