سوترتما .. روايتي الثانية .. صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020

علاقة عكسية

 

وهانحن يتقدم بنا العمر .. 

يأتي ما يسمونه عيد ميلاد .. فيتجمع حولنا من نحب مهنئون .. ويرسل لنا آخرون كلماتهم يجاملون .. ونحن وسط أولئك وهؤلاء نقف في حيرة .. هل الأمر يستحق فعلاً الاحتفال.. لقد انقضى عام آخر من رصيدنا المحسوب في هذه الدنيا.. ونقترب بخط ثابتة من الرسالة التي ولابد لنا جميعاً أن نسمعها .. نأسف لقد نفذ رصيدكم ..  وطبعاً لا أظنني في حاجة أن أذكر أن هذا تعبير مجازي ليس فيها أي سخرية!

والملفت أن نظرتنا تلك ليوم عيد ميلادنا تخالف تمام تلك التي كانت بالأمس .. فهذه نظرة تأمل وتدبر بينما الأولى كانت نظرة سطحية تطغى عليها مشاعر هذه الأيام من حماسة وإعجاب بالنفس وسعادة بما قد يأتينا من هدايا..

والعجيب أيضًا أن نظرتنا الحالية المتأنية هذه تتسع كل يوم لتشمل كل جوانب حياتنا .. لنجد أنفسنا وكأننا نتعرف على العالم من جديد .. نراه بصورة مغايرة .. ندقق في ملامحه الحقيقية .. نتفحص كل زواية وركن بمشاعر مختلفة..

نحن اليوم والعمر يتقدم بنا .. قد تضعف منا حاسة البصر كنتيجة طبيعية يخلفها تقدم قطار العمر بسرعتها الحثيثة واهتزازته الرتيبة.. لكن في المقابل تقوى لدينا ما وضعه الله فينا من بصيرة وحكمة ..علاقة عكسية تنمو وتتعاظم يوماً بعد يوم!

فلم نعد نفرح بما كان نتراقص به فرحاً من قبل .. وإذا فرحنا فلا يكون ذلك بذات المشاعر الجارفة

لم تعد نستشيط غضبًا لما كان يوقد فينا النار من قبل..

لا نحمل هماً أو بالًا كثيرًا لنظرة الآخرين لنا

لا نزكي أنفسنا طوال الوقت

لا نهتم بقيل وقال وجواب وسؤال

لم نعد نبني أسقف شاهقة لتوقعات أو نرسم آمال عالية لعلاقات

وفي ظني أن في هذا كل بعض من الراحة وشيء من الطمأنينة يحق لنا أن ننعم بهما بل ونستثمر تلك الطاقة الوليدة المتجددة من ذلك في إعادة اكتشاف ذواتنا وقدراتنا..

فنخرج باهتماماتنا من تلك الأطر الضيقة التي صنعتها لنا أنانية الماضي وذاتية الآفق

فننظر .. كيف يمكن لنا أن نكون ذو نفع حقيقي .. كيف يمكن أن نترك أثر طيب .. كيف يمكن أن نحدث تغييرًا ولو يسيرًا نحو الأفضل.. 

لا أعلم إن كانت كلماتي هذه ستجد من يقرأها أو يهتم بنشرها .. ولا مشكلة .. بالأمس كان هذا يقلقني ويضايقني حقًا ..

لكن اليوم وبفضل تلك العلاقة العكسية .. أترك كلماتي تلك بسعادة أنها خرجت من وجداني وكفى بذلك طمأنينة وراحة..


تعليقات