سوترتما .. روايتي الثانية .. صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020

عن شَوَارِعِي

أكون مجانباً للحق إن قلت أن هذه المدونة كانت ثمرة تخطيط أوإعداد مسبق، أو أنني كنت أحلم بها دائماً، بل إن الأمر كله جاء صدفة ودون ترتيب، كل ما في الأمر أنني أعشق الكتابة، أحب الورقة والقلم اللذان لم يفارقاني منذ عرفت أن رسم بعض الخطوط قد يُشكل أحرف وكلمات تعبر عن أمور شتى، ولعل هذا ما دفعني للتعبير عن ذلك العشث في مقالات سابقة مثل "قلم وورقة وأفكار مبعثرة" ثم "أعشقُ غزلَ الحورفِ كلماتٍ"، إذن فالمسألة بالنسبة لي كانت ولاتزال في المقام الأولى إشباع لرغبة جامحة لا تنقطع للرسم بالحروف على أي الصفحات البيضاء...

ولطالما كانت الشوارع والحواري والأزقة مصدر لإلهام الكثيرين من الكتاب والأدباء والقصاصين، وأنا هنا لا أدعي بذلك شرفاً لا أستحقه، فكلنا لنا مع الشوارع وفي الشوارع مواقف وأحداث، منها ما كنا نحن أبطاله ومنها ما اكتفينا فيه بمقاعد المشاهدين، وعلى اختلاف الأماكن والبلدان وحتى الألسنة تبقى الشوارع مصدر خصب لا ينضب للأقلام، وهذا لكونها هي الواقع بلا تزييف أو تنميق أو أي من مساحيق التجميل التي تخفي وراءها الكثير من الحقيقة والملامح الأصلية.

إذن فكلمة "شوارع" ترتبط بوجدان كل منا بحالات وانفعالات متناقضة، عشنها منذ طفولتنا يوم لعبنا فيها ببراءة تلاشت مع الأيام، ويوم دقت قلوبنا لأول مرة مع مشاعر مراهِقة ومرهفة، ويوم سمعت ضحكاتنا شباباً ثم شهدت إحباطنا يوم اصطدمنا بالواقع...

والكلمة "شوارعي" ارتبطت بدورها بذلك الشخص الذي يفتقد الأخلاق القويمة أو التربية الصحيحة، ولكنني هنا أطرحها من مفهوم جديد، "شَوَارِعِي" هنا تعني نسبة تلك الشوارع لي أنا كشخص أحبها وأعيش فيها، وليس نسبي أنا للشوارع كوني ذو أخلاق "شوارعية" كما هو المفهوم السائد، كلنا إذن حسب مفهومي "شَوَارِعِي"، كلنا نمتلك هذه الشوارع التي تربينا وكبرنا فيها، ونمتلك معها الأرض التي تطأها أقدامنا عليها...

وهذه المدونة ما هي إلا محاولة لنقل جزأ ولو بسيط مما يحدث في الشارع وما يريد أن يقوله ويعبر عنه، نعم قد تصطبغ كتاباتي أحياناً بأفكاري ومعتقداتي، لكنني في النهاية أحد من يعشون في هذا الشارع، وما أكتبه أو أقوله ما هو إلا نتاج ذلك الحراك الدائر فيه...

من هنا قلت أنا "شَوَارِعِي"...ومن هنا قلت... من الشوارع وللشوارع هيكون الكلام

تعليقات