سوترتما .. روايتي الثانية .. صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020

زمن النخاسة ورغيف العيش

لا أدري لماذا تبدو لي مؤخراً كثير من الأشياء البعيدة ظاهرياً قريبة ومتداخلة في حقيقتها، كتبت سابقاً وقلت "كيلو اللحمة وحلم السفر لإيطاليا" وكيف أن اُلأثنان أي كيلو اللحمة وحلم السفر لإيطاليا بينهما علاقة طردية أي كلما زاد سعر كيلو اللحمة زاد حلم السفر لإيطاليا قوة وإلحاحاً!
واليوم أكتب عن زمن النخاسة الجديد الذي نعيشه، ليس فقط في مصر بل وفي بلاد عربية أخرى وغير عربية أيضاً، نخاسة تُباع فيها البنات تحت إسم "الزواج المؤقت" أو كما يسميه البعض "الزواج الصيفي"، وأنا هنا لن أنصب نفسي مفتياً لأتحدث عن صحة أو بطلان هذا الزواج فهو أمر متروك لرجال الدين والفقهاء، ولكن ما يعنيني هو ببساطة ما الذي يدفع الناس لبيع بناتهن لمن يشتري تحت هذه المسميات المزيفة والتي هي في حقيقتها غطاء لنخاسة العصر الجديد الذي نعيشه؟ ولن تحتاروا معي في إيجاد جواب لهذا السؤال، إنه رغيف العيش أو الخبز الذي صار الآن يُحصل عليه بضرب النار وطلقات الرصاص في مصر بعد أن صار سلعة عزيزة يصعب الحصول عليها وتجددت أزمة العيش من جديد.

وطبعاً أنا لا أقصد فقط رغيف العيش وإنما هو فقط رمز للحالة التي صارت عليها حياة البسطاء في مصر بعد أن ضاقت بهم السبل فلم يجدوا الآن إلا بيع بناتهن لبعض أثرياء الدول العربية من السواح الذين يأتون مصر في هذا الموسم لهذا الغرض ويجدون السماسرة أو النخاسين الجدد في انتظارهم مع سلع من الفتيات القاصرات اللاتي لا حول لهن ولا وقوة إلا أن صرن ثمن للقمة العيش وسبيل للحصول على بعض المال الذي لن يلبث أن يزول وقد تكون هذه البنت حملت في أحشاءها طفلاً لا ذنب له أن يأتي الدنيا بلا أب أو مستقبل.

النخاسين الجدد يعرفون جيداً أن يجدون ضحياهم وكيف يصطادوهم ولا يشق ذلك عليهم بعد أن وصلت معدلات الفقر في مصر لأعلى نسبة. وكذلك يعرفون من سيشتري وبكم في ظل غياب للضمير والرقابة. ولو نظرنا حولنا لوجدنا كل ما يحدث وسيحدث لنا راجع للظروف الاقتصادية والمعيشية المتدهورة التي تزداد يوماً بعد يوم وهي بمثابة المحرك الأساسي لكل الجرائم التي نراها في مجتمعنا والتي لم نكن نسمع بها من قبل.

كل هذا ومن فوق لا يشعرون بمن تحت أقدامهم، إنما هم يخططون لحيلة أو خطة جديدة ليستولون بها على المزيد من ثروات هذا البلد بعد أن نسوا أنهم يوماً ما سيقفون أمام الله ليسألوا ويحاسبوا.

فماذا بعد بيع الكلى والأعضاء والأبناء والبنات والشرف؟ هل تبقى من شيء يُباع من أجل لقمة العيش؟...لا أدري

تعليقات